قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله -:
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ].
وفي الصحيحين عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ((بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، والحج)) ، وفي رواية : ((والحج ، وصوم رمضان)).
الحج ومواسم العبادة كلها تعتبر نعمة من الله سبحانه وتعالى على عبادة ، وتطهيراً لذنوبهم .
الحج نبينا محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كما في (الصحيحين) من حديث أبي هريرة : ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
ويقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كما في ( الصحيحين ) من حديث أبي هريرة : ((من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).
((من حج لله)) لا يحج رياءاً ، ولا سمعة ، ولا لغرض دنيوي ، ((فلم يرفث)) والرفث: الجماع ومقدماته مما خٌوطب به النساء ،
((ولم يرفث)) لم يرتكب معصية في الحج ، شروط ينبغي أن تتنبه لها أيها الحاج ((من حج لله فلم يرفث ، ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))، نعمة من الله سبحانه وتعالى عليك أيها المسلم .
المطهرات تتوالى ، مطهرات لذنوبك ، ومطهرات أيضاً لقلبك ، نعمة من الله سبحانه وتعالى .
يقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ((من طاف في هذا البيت أسبوعًا - أي سبع مرات - كان كعدل عتق رقبة)).
ويقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في يوم عرفة يقول: ((ما من يوم أكثر ما يعتق الله فيه من عبيده مثل يوم عرفة)), ثم يقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ((يقول الله لملائكته انظروا إلى عبادي)) وفي رواية : ((جاءوني شعثاً غبراً)).
وهكذا أيضاً إن كنت فقيراً واستطعت أن تحج حتى ولو بالقرض فربما يكون الحج سبباً لتكفير ذنوبك يقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كما في ( جامع الترمذي ) من حديث ابن مسعود : ((تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد)).
الحجر الأسود يشهد لك يوم القيامة يقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ونؤمن بذلك أيضاً : ((إنه يشهد لمن استلمه يوم القيامة في خير))، فأنت تتقلب في خير منذ تخرج من بيتك لأداء هذه الفريضة .
رجل وقصته راحلته - أي سقط من على ناقته وانكسر عنقه - فقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ((غسلوه ، وكفنوه بثوبيه ، ولا تغطوا وجهه - وفي بعضها رأسه - فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً))، إذا مات وهو لابس إزاره ورداءه في حال إحرامه يبعث يوم القيامة ملبياً على ما مات عليه .
وكل أحد يبعث على ما مات عليه ، الذي يموت وهو يغني يبعث يوم القيامة يغني في حالة سيئة ، والذي يموت وهو يرتكب الفواحش يبعث يوم القيامة كذلك ، وهكذا الذي يموت وهو في حالة إحرامه يٌبعث ملبياً .
نعمة من الله سبحانه وتعالى ، والشأن كل الشأن أن يكون العمل خالصاً لوجه الله : [وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ] ، [أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ]. [وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ] لله سبحانه وتعالى لا لغيره، فقد كان بعض المشركين يقولون: لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ، والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : ((قط ، قط)) أي حسب ، حسب عند قوله : لبيك لا شريك لك لبيك.
فنعمة من الله سبحانه وتعالى أنعم بها على عباده تلكم الفريضة ، والشأن كل الشأن كما قلت لك قبل أن تكون مخلصاً لله عز وجل ، وأن تكون ملازماً للذكر فالنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في يوم عرفة يلبي ويذكر الله ثم سقط زمام راحلته - أي خطامها - ثم بعد ذلك أخذه بشماله وهو رافعٌ يده يذكر الله ، لا يحب أن ينقطع عن الذكر .
وملازمة الصالحين في أيام الحج أمر مهم فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عند أن علم بالنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه سيحج قال - أي لقيه من اليمن - فقال : لبيك بما أهل به نبيك محمدُ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، من أجل أن يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، بل الجم الغفير ، والخلق الكثير الذين خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - مد البصر أمامه ، ومد البصر خلفه ، ومد البصر عن يمينه وعن شماله كل يريدوا أن يأتم برسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، أي أن يقتدي برسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وهو القائل : ((لتأخذوا عني مناسككم)).
فأنت ما تحج كما يحج آباءك وأجدادك ، وكما يحج الناس ، تقتدي برسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ]، تأتسي برسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في حجك، في إحرامك، في غض بصرك، جاءت امرأة تسأل رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقالت يا رسول الله: إن فريضة الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟، قال: ((حجي عن أبيك)) وكانت امرأة وضيئة فجعل الفضل بن العباس ينظر إليها والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يصرف وجهه إلى الجانب الآخر .
استسلام لله عز وجل، انقياد لله عز وجل لا كما يقول المهوسون الذين يقولون: تقبيل الحجر الأسود خرافة ، تقبيل الحجر الأسود نعمة من الله كما سمعتم قبل يشهد يوم القيامة لمن استلمه بخير .
استسلام وانقياد لله عز وجل ، تذهب إلى عرفة التي يقول فيها النبي ك صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : ((الحج عرفة)) فتجدها حدباً من تلكم الأرض الواسعة، أمرنا الله وتعبدنا بالوقوف في ذلكم المكان نمتثل أوامر الله ، عبادة لله عز وجل ، خضوعاً لله عز وجل ، تذللاً لله عز وجل .
وهكذا أيضاً : [فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا] ، ابتداءه بالذكر ، لبيك اللهم لبيك ، وبالنية الحسنة ، وانتهاءه بالذكر ، عبادة وتقوى ، وهكذا : [فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ] ، المهم في جميع الحالات وأنت تذكر الله سبحانه وتعالى ، تتفرغ بقلبك ، وتتفرغ أيضاً بجوارحك لله عز وجل .
النسيكة أو الذبيحة هذا وذاك تعتبر من أفضل القربات النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - نحر ثلاث وستين بدنه ، وأمر علي بن أبي طالب أن ينحر ما ظفر أي ما بقي ، بل إبراهيم عليه السلام أراد أن يتقرب بولده ، وأصحابنا يتحيلون ، والله نخشى أن لا يرجعوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم ، لست أعني أصحابنا أهل دماج فقط ، بل أعني كثيراً من اليمنيين ومن غير اليمنيين يتحيلون فلا يتمتعون والرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)).
ثم يخبئ نقوده ليشتري بها مسجلة ربما تكون سبباً لفساد بيته ، وربما يشتري تلفزيون وربما وربما ويبخل عن نسيكة عن ذبيحة ، فهو لا يتمتع والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول : ((من لم يسق الهدي فليجعلها عمرة)) أمر أصحابه بذلك فحلوا كلهم إلا ذوي اليسار كطلحة بن عبيد الله وأبي بكر وجماعة من ذوي اليسار فإنهم كانوا ساقوا الهدي حتى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أشركه النبي - صلى الله لعيه وعلى آله وسلم - بهديه ، وأبو موسى أيضاً أتى من اليمن كما أتى علي من اليمن فقال : لبيك بما أهل به نبيك محمد - صلى الله لعيه وعلى آله وسلم - فأمره النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن يتحلل وأن يجعلها عمرة .
ثم بعد ذلك [فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ].
المصدر: شريط ( مناسك الحج وآدابه ).
*****منقول من موقع ميراث الانبياء*****