ترجمة الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله
لقد كانت حياة الشيخ رحمه الله حافلة بالأحداث والوقائع المهمة التي تحتاج إلىالذكر ؛ فهيمثالاعنالرجل المجاهد والمسلم العابد والعالم الداعي إلىالسنة ، وقدوة للسائر على منهج السلف الصالح أئمة الحديث والأثر ، وأحاول أن أعرج على أهم الأحداث في حياة الشيخ رحمه الله فهيترجمة مختصرة.
اسمه ومولده .
اسمه :هو العلامة المحدث المجاهد أبو عبد الرحمان مقبل بن هادي بن قائد الهمذاني الوادعي الخلالي من قبيلة أل راشداليمن .
مولده :ولد رحمه الله سنة (1352) للهجرة في قرية دماج الواقعة شرق مدينة صعدة ، وهي إحدى قرى قبائل وادعة الهمذانية اليمنية.(أنظر تذكير النابهين بسير أسلافهم حفاظ الحديث السابقين واللاحقين ، ربيع بن هادي المدخلي ، ص(408) . و مجموع فتاوى الوادعي ، صادق بن محمد البيضاني ، المجلد الأول ، ص(7) .)
نشأته وطلبه للعلم .
عاش الشيخ رحمه الله في حفاوة والده يساعده في أعمال الفلاحة ، ودرس في المكتب (مكان الذي يجتمع فيه الطلاب ويقوم المعلم بتدريسهم مبادئ الحفظ والكتابة وقراءة القرآن) وعمر الشيخ رحمه الله (24) سنة، وبعدها رحل إلىبلاد الحرمين وعمل حارسا في عمارة الحجون بمكة لأحمد العموري وهو الذي شجعه كثيرا على طلب العلم .
وأول ما بدأ به الشيخ رحمه الله في طلب العلم هو القراءة في كتب السنة إذ بدأ بالجامع الصحيح للإمام البخاري رحمه الله ، وكذا بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني رحمه الله ، ورياض الصالحين للإمام النووي رحمه الله ، وفي العقيدةفتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمان بن حسنرحمه الله ، وزيادة على قراءة هذه الكتب كان الشيخ رحمه الله يحضر دروس الحرم وما كان يلقيه العلماء من دروس في مختلف العلوم والفنون .
ولم تدم إقامة الشيخ طويلا حتى عاد إلى بلاداليمن فكان يدعو إلى السنة والتوحيد ، وينكر كل ما كان مخالفا لما كان يقرأه في تلك الكتب من دعاء الأموات والذبح لغير الله وغيرها من البدع والشركيات ، وكما هو ديدنالمبتدعة وأعداءالملة الوقيعة في أهل السنة والأثر لقى الشيخ رحمه الله معارضة ومعاداةمن أهل بلده خاصة أهلالبدع والأهواء ، فاضطر أهله لإدخاله إلى جامع الهادي من أجل الدراسة وإزالة الشبه التى علقت به وقصدوا أن يترك الشيخ السنة والتوحيد ،و أرغم الشيخ بالدراسة في ذلكالجامع الذي هو مركز لنشر الاعتزالوالدعوة إلى التشيع ، فكان يدرس وهو كاتم لعقيدته السلفية .
فانكب رحمهاللهعلى دراسة النحو لمافي العلوم الأخرى من ضلال وتضليل ، وبعد قيام الثورة اليمنية(عام 1962م من قبل عبد الله السلال) رحل الشيخ إلى نجد (الرياض)وسكن بمدرسة تحفيظ القرآن التابعة للشيخ محمد بن سنان الحدائي ، فلتقى بالقاضي يحي الأشول فدرس عليه سبل السلام للإمام الصنعاني ، والتقى بمشايخ آخرين .
وبعد افتتاح معهد الحرم شارك الشيخ في الاختبارات المقررة للدخول إلى المعهدفنجح وأصبح يدرس به فمكث فيهست سنين ، وكان رحمه الله إلى جانب ذلك يحضردروس العلماء بالحرم المكي ، وبعد مضي سنين الدراسة بالمعهد التحقالشيخ بالجامعة الإسلامية بالمدينة فدرس بكلية الدعوة انتظاما وبكليةالشريعةانتسابا ، وكان الشيخ يستغل أوقاته في حضور دروس أهل العلم في الحرمالمكي فتخرج بشهادتين من كلتا الكليتين ، ثم تابع دراسته العليا لينال درجة الماجستيرفي علوم الحديث من الجامعة الإسلامية ،وذلك بتحقيقه لكتابيالإلزامات والتتبع للدارقطني رحمه الله .(وبعدها أراد الشيخ تحضير رسالة الدكتوراه لولا ما قدر الله من أنواع الابتلاءات التي حالت بينه وبين ما أراد ، انظر مجموع فتاوى الوادعي ، ص(14))
وبعدها عاد رحمه الله إلى بلاده “ فقامبالدعوة السلفية في اليمن خير قيام ، وأنشأ مدرسة علمية سلفية بدماج سماها بدار الحديث يفد إليها طلاب العلم من أنحاء اليمن ، بل من بلدان كثيرة ، عربية ، وإسلامية ، و أوروبية ، وأمريكية . وتخرج على يديه علماء أنشئوامدارس في عدد من مناطق اليمن ، نفع الله بهم كثيراً والدعوة السلفية عندهم قوية، ومدارسهم تمثل مدارس السلف في النـزاهة ، و العفة ، والزهد في الدنيا متوكلين هم وطلابهم الكثيرون على الله، ولا يدنسون أنفسهم ، وأيديهم بأخذ الأموال من المؤسسات الحزبية ، لأنهم يدركون أهداف هذه المؤسسات ، ومنها صرف من يستطيعون صرفه عن منهج السلف أهل الحديث ، والسنة وربطهم برؤوسالأحزاب الضالة ومناهجهم، وسن لهم هذه السنة الحسنة ذلكم الجبل النـزيه العفيف الزاهدالشيخ مقبل بن هادي الوادعي الذي يذكرنا بسيرة السلف الصالحولاسيما الإمام أحمد رحمه الله ”.'( تذكير النابهين ، ص(408، 409))
مشايخه و ثناء العلماء عليه .
أولا : مشايخه .
لقد تتلمذ الشيخ مقبل الوادعي على مشايخ عدة في مدارس مختلفة في فنون متنوعة ، وقد قسمت مشايخهحسب المدارس ومراحل الطلب (هذا التقسيم أخذته من كتاب تذكير النابهين ):
1- مشايخه في المدرسة الابتدائيةمدرسةالتشيع :
- أبوالحسين مجد الدين المؤيدي ، قال عنه الشيخ “هوأعلم شيعي في اليمن ويعتبر حامل المذهب الهادوي ( مذهب فقهي عند الشيعة ) ، استفدتمنه كثيراً في النحو”.(ورد الشيخ عليه في رسالة سماها برسالة إلى شيخي المذبذب لما تكلم عن الوهابية وقال إنها أضر على الإسلام من الشيوعية وهو من الذين وقعوا في الوحدة مع الشيوعية كما قال الشيخ . انظر المجروحون عند الوادعي لأبي اسامة عادل السياغي الحيمي ص(166))
-محمد بن الحسن المتميز ، قال عنه الشيخ :” درسنا في متن الأزهار في النكاح وشرح الفرائض كتابا ضخما فوق مستوانا فلم أستفد منه “(مجموع فتاوى الوادعي ، ص(9))
-قاسم بن يحي شويل، درس عليه بلوغ المرام ثم منعوا من ذلك فتركوا الكتاب .
- إسماعيل حطبة ، درس عليه قطر الندى مرارا وكان في المسجد الذي يسكن فيه الشيخ .
2- مشايخه في المتوسط والثانوي بمعهد الحرم:
- يحي بن عثمان الباكستاني،لما كان الشيخ في الرياض كان يحضر دروسه في تفسير ابن كثير والبخاري ومسلم .
- القاضي يحي الأشول، درس عنده سبل السلام للصنعاني .
- عبد الرزاق الشاحذي المحويتي، قال عنه الشيخ كان يدرسه في كل ما يطلبه.
- عبد العزيز السبيل .
- عبد الله بن محمد بن حميد ، درس عليه التحفة السنية في الحرم بعد العشاء .
- عبد العزيز بن راشد النجدي ، قال عنه الشيخ : “كان رجل توحيد وله معرفة قوية بعلم الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه ، ومعلوله وسليمه” .
- محمد بن عبد الله الصومالي، قال عنه الشيخ : “كان أية في معرفة رجال الشيخين” ، واستفاد من كثيرا في علم الحديث .
3- مشايخه في الجامعة الإسلامية :
-السيد محمد الحكيم المصري ،المشرف على الشيخفي رسالة الماجستير .
-محمد عبد الوهاب فايد المصري .
- محمد الأمين المصري .
-حماد بن محمد الأنصاري .
4- مشايخه الآخرين :
- العلامة المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله، كان الشيخ يحضر جلساته الخاصة مع طلاب العلم .
- العلامة المحدث عبد العزيز من باز رحمه الله، كان يحضر دروسه في الحرم المدني .
- بدر الدين الراشدي .
- محمد تقي الدين الهلالي .
- محمد الأمين الشنقيطي، تتلمذ عليه عن طريق الأسئلة ، وقد أعجب به الشيخ كثيرا ، قال عنهالشيخ :” كان آية من آيات الله في الحفظ ما رأت عيني مثله يسرد الفوائد سردًا دون أن يتعتع “، وقد نصح الشيخ بحضور دروسه إلا أنه كان يؤثر العكوف على الكتب والقراءة الهادئة .
- عبد المحسن العباد حفظه الله، كذلك تتلمذ عليه عن طريق الأسئلة.(مجموع فتاوى الوادعي ص( 12 ، 13)، تذكير النابهين ، ص(411)).
ثانيا : ثناء العلماء عليه :
عرف الشيخ رحمت الله عليه بالتمسك بالسنة والدعوة إليها والدفاع عنها ، فكان ذا منزلة جليلة ومرتبة عظيمة لدى العلماء ، فذكروه بأحسن ما يذكر الرجال العظماء وأثنوا عليه خيرا ، وممن أثنى عليه :
1- الشيخ الألباني رحمه الله، قال :” الشيخ ربيع والشيخ مقبلالداعين إلى الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح ، ومحاربة الذين يخافون هذا المنهج ”.(شريط بعنوان أسئلة أبي الحسن للألباني)
2- الشيخ ابن باز رحمه الله، لما ذكرت له انتشاردعوة الشيخ باليمن قال :” هذه ثمرة الإخلاص ، هذه ثمرة الإخلاص ” .( مقال في مجلة الاصلاح ، حسن بوقليل ، العدد 28 )
3- الشيخ الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : قال عنه :“الشيخ مقبل إمام، الشيخ مقبل إمام” .( مجلة الاصلاح )
4- الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، فقد سئل عنه فقال : " درس في هذه البلاد في الجامعة الإسلامية ، وتعلم التوحيد ، وذهب إلى اليمن ودعا إلى الله، دعا إلى التوحيد ، فدعوته طيبة ، حسب ما سمعنا وحسب ما ترتب عليها من ثمرات ، نفع الله به رحمه الله" .( مجلة الاصلاح)
5- - الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله، قال عنه :"كان سيفاً مسلولا على أهل الباطلمن روافض ،وشيوعيين ، وصوفية ، وأحزاب منحرف"
وقال أيضا : "وقد عرفت هذا الرجل بالصدق والإخلاص ، والعفة ، والزهد في الدنيا ، والعقيدة الصحيحة والمنهج السلفي السليم ، والرجوع إلى الحق على يد الصغير والكبير ، وقد بارك الله في دعوته فأقبل عليها الناس ، فله ولتلاميذه آثار كبيرة في شعب اليمن ، يشهد بذلك كل ذي عقل ودين وإنصاف” .(تذكير النابهين ، ص 408)
العنصر الرابع : وفاته رحمه الله .
بعد حياة مليئة بالعلم والسنة والتمسك بالآثاروالدعوة إلىما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه والتابعين أئمة الهدى ومصابيح الدجى ، توفي الشيخ رحمه الله في الثلاثين (30) من شهر ربيع الآخر عام اثنينوعشرين وأربع مائة بعد الألف (1422ه) من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الموافق للثاني والعشرين(22) من شهر جوييليةلعام الأول بعد الألفين من ميلاد المسيح عليه السلام (2001)، وذلك إثر مرض ألم به .
إذ أصيب ( بنزيف دم ) نقل على إثره إلى مستشفى الثورة بصنعاء باليمن ، بعدها سافر رحمه الله إلى الرياض لمتابعة العلاج بالمملكة السعودية في مستشفى الملك فيصل التخصصي ، وأثناء تواجده ببلاد الحرمين اعتمروأدى فريضة الحج ، والتقى بمشايخ البلاد على رأسهم الشيخ محمد بن صالح العثيمين و الشيخ محمد بن جميل زينو و محمد أدم الأثيوبي رحمهم الله،والشيخ وصي الله والشيخ ربيع المدخلي حفظهم الله وآخرين ، وعندما استصعب الأطباء مرض الشيخ قررواإرساله إلى أمريكاللعلاج ، فلم تدم المدة طويلا حتى عاد الشيخ إلى السعودية .
وقام أحد الأطباء (وهو عبد المالك الجزائري ) بنصيحة الشيخ بعدم الأكل والاعتمادعلى ماء زمزم فقط ، لكن هذه الوصفة كانت وبالا على الشيخ فبعد مرور خمس وعشرين (25) يوم إنهار الشيخ وضعف كثيرا فنقل إلى ألمانيا ، وبعد قيامه بالفحوصات أمر أطباء تلك البلد بإعادته إلى بلاده وأهله ، وعاد الشيخ إلى السعودية فكتبة وصية إلى أهله وطلابه .
وقضى الله أمره أن توفي الشيخ رحمة الله عليه بمستشفى الملك فيصل ، وصلي عليه في المسجد الحرام بإمامة صالح بن حميد إمام الحرم بعد صلاة الفجر ودفن بمقبرة العدل بمكة بجوار الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد صالح العثيمين عملا بوصيته.
منقول