الأسرة هى المؤسسة التربوية الأولى، التى يترعرع فيها الطفل، ويفتح عينيه فى أحضانها، حتى يشب ويستطيع الاعتماد على نفسه، بعدها يلتحق بالمؤسسة الثانية وهى المدرسة المكملة للمنزل ولكن يبقى تشكيل شخصية الطفل، خلال الخمس السنوات الأولى، أى فى الأسرة، لذا كان من الضرورى، أن تهتم الأسرة بالأساليب التربوية الصحية، التى تنمى شخصية الطفل وتجعل منه شابا واثقا من نفسه صاحب شخصية قوية، ومتكيفة وفاعلة فى المجتمع.
ويؤكد دكتور محمد مختار صالح، استشارى الصحة النفسية، والعلاج النفسى، أن هناك العديد من الأساليب غير السوية، والخاطئة فى تربية الطفل، والتى عادة ما تكون لجهل الوالدين، وتتضح هذه الأساليب التربوية الخاطئة فى عدة أساليب أهمها:
1- التسلط
2- الحماية الزائدة
3- الإهمال
4- التدليل
5- القسوة
6-التذبذب فى معاملة الطفل
7-إثارة الألم النفسى فى الطفل
8-التفرقة بين الأبناء وغيرها..
التسلط أو السيطرة
ويعنى تحكم الأب أو الأم فى نشاط الطفل والوقوف أمام رغباته التلقائية ومنعه من القيام بسلوك معين، لتحقيق رغباته التى يريدها، حتى ولو كانت مشروعة أو إلزام الطفل بالقيام بمهام وواجبات تفوق قدراته وإمكانياته، ويرافق ذلك استخدام العنف أو الضرب أو الحرمان أحيانا، وتكون قائمة الممنوعات أكثر من قائمة المسموحات، كأن تفرض الأم على الطفل ارتداء ملابس معينة أو طعام معين أو أصدقاء معينين.
أيضا عندما يفرض الوالدان على الابن تخصصا معينا فى الجامعة أو دخول قسم معين فى الثانوية قسم العلمى أو الأدبى.. أو... . أو... ... إلخ، ظنا من الوالدين أن ذلك فى مصلحة الطفل دون أن يعلموا أن لذلك الأسلوب خطر على صحة الطفل النفسية وعلى شخصيته مستقبلاً، ونتيجة لذلك الأسلوب المتبع فى التربية.. ينشأ الطفل ولديه ميل شديد للخضوع واتباع الآخرين ولا يستطيع أن يبدع أو أن يفكر.
الحماية الزائدة
وتعنى قيام أحد الوالدين أو كلاهما نيابة عن الطفل، بالمسئوليات التى يفترض أن يقوم هو بها وحده، حيث يحرص الوالدان أو أحدهما على حماية الطفل والتدخل فى شئونه فلا يتاح للطفل فرصة اتخاذ قراره بنفسه، وعدم إعطائه حرية التصرف فى كثير من أموره، كحل الواجبات المدرسية عن الطفل أو الدفاع عنه، عندما يعتدى عليه أحد الأطفال، وقد يرجع ذلك بسبب خوف الوالدين على الطفل لاسيما إذا كان الطفل الأول أو الوحيد أو إذا كان ولد وسط عديد من البنات أو العكس فيبالغان فى تربيته... إلخ.
وهذا الأسلوب بلا شك يؤثر سلبا على نفسية الطفل وشخصيته فينمو الطفل بشخصية ضعيفة غير مستقلة، يعتمد على الغير فى أداء واجباته الشخصية وعدم القدرة على تحمل المسئولية ورفضها إضافة إلى انخفاض مستوى الثقة بالنفس وتقبل الإحباط.
الإهمــــــال
يعنى أن يترك الوالدان الطفل دون تشجيع على سلوك مرغوب فيه أو الاستجابة له وتركه دون محاسبته على قيامه بسلوك غير مرغوب، وقد ينتهج الوالدان أو أحدهما هذا الأسلوب بسبب الانشغال الدائم عن الأبناء وإهمالهم المستمر لهم.
فالأب يكون معظم وقته فى العمل ويعود لينام ثم يخرج ولا يأتى إلا بعد أن ينام الأولاد، والأم تنشغل بكثرة الزيارات، والحفلات أو فى الهاتف أو على الإنترنت أو التليفزيون وتهمل أبناءها،
أو عندما تهمل الأم تلبية حاجات الطفل من طعام وشراب وملبس وغيرها من الصور.
والأبناء يفسرون ذلك على أنه نوع من النبذ والكراهية، والإهمال، فتنعكس بآثارها سلبا على نموهم النفسى.
ويصاحب ذلك أحيانا السخرية والتحقير للطفل فمثلا عندما يقدم الطفل للأم عملا، قد أنجزه وسعد به تجدها تحطمه وتنهره، وتسخر من عمله ذلك، وتطلب منه عدم إزعاجها بمثل تلك الأمور التافهة، كذلك الحال عندما يحضر الطفل درجة مرتفعة، ما فى إحدى المواد الدراسية، لا يكافأ ماديا ولا معنويا بينما إن حصل على درجة منخفضة، تجده يوبخ ويسخر منه، وهذا بلا شك يحرم الطفل من حاجته إلى الإحساس بالنجاح، ومع تكرار ذلك يفقد الطفل مكانته فى الأسرة، ويشعر تجاهها بالعدوانية وفقدان حبه لهم.
وعندما يكبر هذا الطفل يجد فى الجماعة التى ينتمى إليها ما ينمى هذه الحاجة، ويجد مكانته فيها ويجد العطاء والحب الذى حرم منه.
وهذا يفسر بلا شك هروب بعض الأبناء من المنزل إلى شلة الأصدقاء ليجدوا ما يشبع حاجاتهم المفقودة هناك فى المنزل.
وتكون خطورة ذلك الأسلوب المتبع، وهو الإهمال أكثر ضررا على الطفل فى سنى حياته الأولى بإهماله، وعدم إشباع حاجاته الفسيولوجية، والنفسية، لحاجة الطفل للآخرين وعجزه عن القيام بإشباع تلك الحاجات.
ومن نتائج اتباع هذا الأسلوب فى التربية، ظهور بعض الاضطرابات السلوكية لدى الطفل، كالعدوان والعنف أو الاعتداء على الآخرين أو العناد أو السرقة أو إصابة الطفل بالتبلد الانفعالى وعدم الاكتراث بالأوامر والنواهى التى يصدرها الوالدان.
إثارة الألم النفسى
ويكون ذلك بإشعار الطفل بالذنب، كلما أتى سلوكا غير مرغوب فيه، أو كلما عبر عن رغبة سيئة أيضا تحقير الطفل، والتقليل من شأنه، والبحث عن أخطائه ونقد سلوكه.
مما يفقد الطفل ثقته بنفسه فيكون مترددا عند القيام بأى عمل خوفا من حرمانه من رضا الكبار وحبهم، وعندما يكبر هذا الطفل فيكون شخصية انسحابية منطوية غير واثق من نفسه يوجه عدوانه لذاته، وعدم الشعور بالأمان، يتوقع الأنظار دائمة موجهة إليه، فيخاف كثيرا لا يحب ذاته ويمتدح الآخرين ويفتخر بهم، وبإنجازاتهم وقدراتهم أما هو فيحطم نفسه ويزدريها.
التذبذب فى المعاملة
ويعنى عدم استقرار الأب أو الأم، من حيث استخدام أساليب الثواب والعقاب فيعاقب الطفل على سلوك معين مرة ويثاب على نفس السلوك مرة أخرى.
وذلك نلاحظه فى حياتنا اليومية، من تعامل بعض الآباء والأمهات مع أبنائهم مثلا: عندما يسب الطفل أمه أو أباه نجد الوالدين يضحكان له ويبديان سرورهما، بينما لو كان الطفل يعمل ذلك العمل أمام الضيوف فيجد أنواع العقاب النفسى والبدنى فيكون الطفل فى حيرة، من أمره لا يعرف هل هو على صح أم على خطأ فمرة يثيبانه على السلوك، ومرة يعاقبانه على نفس السلوك.
وغالبا ما يترتب على اتباع ذلك الأسلوب شخصية متقلبة مزدوجة فى التعامل مع الآخرين، وعندما يكبر هذا الطفل، ويتزوج تكون معاملة زوجته متقلبة متذبذبة فنجده يعاملها برفق وحنان تارة وتارة يكون قاسيا، بدون أى مبرر لتلك التصرفات وقد يكون فى أسرته فى غاية البخل والتدقيق فى حساباته، ودائم التكشير، أما مع أصدقائه فيكون شخصا آخر كريما متسامحا ضاحكا مبتسما، وهذا دائما نلحظه فى بعض الناس.
ويظهر أيضا أثر هذا التذبذب فى سلوك أبنائه حيث يسمح لهم بإتيان سلوك معين، فى حين يعاقبهم مرة أخرى، بما سمح لهم من تلك التصرفات والسلوكيات أيضا يفضل أحد أبنائه على الآخر فيميل مع جنس البنات، أو الأولاد، وذلك حسب الجنس، الذى أعطاه الحنان والحب، فى الطفولة وفى عمله، ومع رئيسه ذى خلق حسن بينما يكون على من يرأسهم شديدا وقاسيا وكل ذلك بسبب ذلك التذبذب فأدى به إلى شخصية مزدوجة فى التعامل مع الآخرين.
التفرقة
ويعنى عدم المساواة بين الأبناء جميعا، والتفضيل بينهم، بسبب الجنس أو ترتيب المولود أو السن أو غيرها نجد بعض الأسر تفضل الأبناء الذكور على الإناث أو تفضيل الأصغر على الأكبر، أو تفضيل ابن من الأبناء بسبب أنه متفوق أو جميل أو ذكى وغيرها من أساليب خاطئة.
وهذا بلا شك يؤثر على نفسيات الأبناء الآخرين، وعلى شخصياتهم فيشعرون الحقد والحسد تجاه هذا المفضل وينتج عنه شخصية أنانية يتعود الطفل أن يأخذ دون أن يعطى، ويحب أن يستحوذ على كل شىء لنفسه، حتى ولو على حساب الآخرين، ويصبح لا يرى إلا ذاته فقط، والآخرون لا يهمونه ينتج عنه شخصية تعرف مالها، ولا تعرف ما عليها تعرف حقوقها ولا تعرف واجباتها.
ويطرح محمد سوالا مهما وهو هل يجب أن (نعيد) تربية الآباء ليقوموا بدورهم نحو أبنائهم كما يجب?
هو منح الابن قدرا من الحرية لتنظيم سلوكه دون دفع السلوك للابن فى اتجاهات محددة أو كف ميوله من خلال قواعد ونظم يطالب فيه الالتزام بها ويشجع على ممارستها دون مراعاة لرغبات الابن أو دون تزويده بمعلومات عن نتائج سلوكه.
ويعبر عنها بمدى تشجيع الأب، الأم للابن على معالجة شئونه الخاصة وتحقيق ذاته، دون الاعتماد على الآخرين وذلك كما تقاس بالمقياس.
كما أن تنمية الاستقلالية عبارة عن ترك الابن يعمل منفرداً بدون مساعدة والعمل بدون رقابة – واكتساب الابن الخبرة بنفسه.
كما أن الوالدين يسمحان له بنوع من الاستقلال الذى يتمثل فى حرية الخروج من المنزل، وعدد مرات الخروج من المنزل مع من يحب من أصدقائه كما يترك له حرية الوقت الذى يعود فيه للمنزل وحرية اختيار طريقته فى العمل، واختيار زملائه ودعوة أصدقائه إلى المنزل.