ام عبد الرحمن مديرة الموقع
الدولة : الجزائر الجنس :
عدد المساهمات : 794 نقاط : 5383 تستحق : 7 تاريخ التسجيل : 30/10/2013 الموقع : في ارض الله الواسعة
| موضوع: الجمعُ بين حديثِ «الماء طهور» وحديث «القُلَّتين» الأربعاء مايو 13 2015, 01:28 | |
| للعلامة الشيخ أبي عبد المعز محمد علي #فركوس ____________ الــســـؤال ظهر لنا التعارضُ بين مفهومِ حديثِ القُلَّتين: «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» ومنطوقِ حديثِ أبي سعيدٍ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»، فكيف يمكن الجمعُ بينهما؟ الـــجــواب الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد: فإنه يظهر عدمُ وقوعِ التعارضِ بين حديثِ القُلَّتَيْنِ(١) وحديثِ أبي سعيدٍ(٢) فيما إذا بلغ الماءُ مقدارَ القُلَّتين فصاعدًا بناءً على مفهومِ العَدَدِ، فإنه لا تحُلُّه النَّجاسةُ ولا يؤثِّر الخبث على هذا المقدار، ولا يُخْرِجه عن كونِه مُطَهِّرًا إلاَّ إن تغيَّر ريحُه أو طعمُه أو لونُه فيَنْجُسُ بالإجماعِ على ما نقله ابنُ المنذرِ وابنُ الملقِّنِ(٣)، فالإجماعُ إذنْ مخصِّصٌ للحديثين فيما إذا تغيَّر أَحَدُ أوصافِه بالمشاهدةِ وضرورةِ الحسِّ، قليلاً كان الماءُ أو كثيرًا، والتخصيصُ بالإجماع لا يُعرف خلاف فيه(٤). أمَّا إذا كان الماءُ دون القُلَّتين فوقعتْ فيه نجاسةٌ وغَيَّرت له أحدَ أوصافِه: خَرَجَ عن الطهارةِ بالإجماعِ السابقِ، ومفهومِ المخالفةِ (دليل الخطاب)(٥) من حديثِ القلَّتين، فالإجماعُ ومفهومُ المخالفةِ -عند من يقول بحُجِّيتِه- إذا حُمِلَ على تغيُّرِ بعضِ أوصافِه يخصِّصان عمومَ حديثِ أبي سعيدٍ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»(٦). أمَّا إذا لم يتغيَّرِ الماءُ بملاقاةِ النجاسةِ، وكان الماءُ دون القلَّتين: فهاهنا يبدو التعارضُ بين الدليلين في نظرِ المجتهدِ لِمَظِنَّةِ حمْلِ الْخَبَثِ، فإنَّ حديثَ القُلَّتين يدلُّ على عدمِ طهوريةِ الماءِ بملاقاةِ النجاسةِ، عملاً بما يقتضيه دليلُ الخطابِ، مؤيَّدًا بخبرِ الاستيقاظِ والولوغِ وغيرِهما. في حين أنَّ حديثَ أبي سعيدٍ يدلُّ بعمومِه على عدمِ خروجِه عنِ الطهارةِ لمجرَّدِ ملاقاتِها. ومنشأُ الخلافِ: يرجع إلى مسألةٍ أُصوليةٍ متمثِّلةٍ في جوازِ التخصيصِ بمفهومِ المخالفةِ للعمومِ الواردِ(٧)، فمَنْ أجاز تخصيصَ العمومِ بدليلِ الخطابِ عمل به وعضَّده ببقيَّةِ الأدلَّةِ الحديثيةِ المتمثِّلةِ في حديثِ الاستيقاظِ(٨) وحديثِ الماءِ الدائمِ(٩) وحديثِ ولوغِ الكلبِ والأمرِ بإراقةِ الإناءِ إذا ولغ الكلبُ فيه(١٠)، فإنَّ هذه الأحاديثَ تقضي بأنَّ قليلَ النجاسةِ يُنَجِّسُ قليلَ الماءِ وهي قرائنُ تقوِّي المفهومَ السابقَ. ومَنْ مَنَعَ تخصيصَ العمومِ بمفهومِ المخالفةِ عَمِلَ بحديثِ أبي سعيدٍ وقوَّاه بحديثِ الأمرِ بصَبِّ ذَنُوبٍ من ماءٍ على بَولِ الأعرابيِّ في المسجدِ(١١). وفي تقديري: أنَّ ما يجب قبل النظرِ في التخصيصِ بالمفهومِ، النظرُ في إمكانيةِ الجمعِ أوَّلاً، ثمَّ في حُجِّيةِ المفهومِ ثانيًا. أمَّا الجمعُ بين مفهومِ حديثِ القُلَّتين وبين سائرِ الأحاديثِ فممكن إذا ما حملْنا الْخَبَثَ الْمُخْرِجَ عن الطهوريةِ على ذلك الموجِبِ لتغيُّرِ أحدِ أوصافِ الماءِ أو كُلِّها، فلا يَحْمِلُ ما كان دون القلَّتين على الخبث إذا لم يتغيَّرْ، إذ إنَّ هذا الحملَ لا يستلزم النجاسةَ، ولا يُخْرِجُهُ عن صفةِ كونِه مُطهِّرًا إلاَّ ذلك المقدارَ الذي وقعتْ فيه النجاسةُ فقدْ يحملها دون بقيَّةِ الماءِ. أمَّا إذا استلزم تغيُّرَ أحدِ أوصافِه أو كلِّها فهذا الْخَبَثُ مُخرِجٌ عن الطَّهوريةِ، وموجِبٌ للنجاسةِ عملاً بالإجماعِ السالفِ الذِّكْرِ، ومن هنا يتحقَّق التوافقُ بحملِه على الْخَبَثِ الخاصِّ. وعلى فرضِ تعذُّرِ الجمعِ، وجب النظرُ في حجِّيةِ المفهومِ، وما عليه جمهورُ الأصوليِّين: القولُ بحجِّيةِ مفاهيمِ المخالَفةِ ما عدا مفهومَ اللقبِ(١٢) خلافًا لمن أنكره كأبي حنيفةَ والظاهريةِ، وبهذا قال أبو بكر القفَّالُ وأبو العبَّاسِ ابنُ سُرَيْجٍ والقاضيان أبو حامدٍ المروزيُّ والباقلاَّنيُّ وأبو الوليدِ الباجيُّ وغيرُهم، وهو اختيارُ الآمديِّ(١٣). ولا يخفى أنَّ إنكارَ حُجِّيةِ المفهومِ يستوجب عدمَ جوازِ تخصيصِ اللفظِ العامِّ به، فإنَّ سببَ الخلافِ في ترجيحِ أحدِهما على الآخرِ يرجع لاعتبارِ كونِ المفهومِ دليلاً خاصًّا والخاصُّ يُرَجَّح على العامِّ، أو يُقَدَّم العمومُ عليه لعدمِ حُجِّيةِ المفهومِ أو ضعفِها أمام قوَّةِ دلالةِ العمومِ. وعندي: أنَّ العمومَ أقوى؛ ذلك لأنَّ دلالةَ العامِّ قطعيةٌ على أصلِ المعنى، مع الاختلافِ على دلالتِه على أفرادِه، بينما حُجِّية مفهوم المخالفة محلُّ خلاف بين أهل العلم، فتقديم المتفق عليه أولى من المختلَف فيه، وما كانت دلالته قطعية أولى مما كانت دلالته ظنية. ولأنَّ اللفظَ إذا وُضِعَ للعمومِ فهو على مرتبةٍ واحدةٍ يجب اعتقادُه والعملُ بمقتضاه، بخلافِ مفهومِ المخالفةِ، فإنَّ الظنونَ المستفادةَ منه متفاوِتةٌ قوَّةً وضعفًا بتفاوتِ مراتبِه، فضلاً عن أنَّ العمومَ منطوقٌ مقدَّمٌ على المفهومِ حالَ التعارضِ، فهو أقوى منه دلالةً. وعليه، فإنَّ المفهومَ لا يقوى على معارضةِ العمومِ من حيث الحجِّيةُ ولا من حيث الترجيحُ، ومن جهةٍ أخرى فإنَّ مِن شرطِ العملِ بمفهومِ المخالفةِ -عند القائلين به- أن لا يقعَ ذِكْرُهُ جوابًا لسؤالٍ. فالتخصيصُ بالذِّكْرِ في هذه الحالةِ لا يدلُّ على اختصاصِه بالحكمِ دون المسكوتِ عنه(١٤)، غيرَ أنَّ الذي يُعكِّر عليه عدمُ ذكرِ المقدارِ في السؤالِ في حديثِ ابنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-. وعلى من احتجَّ بالتفريقِ بين قليلِ الماءِ وكثيرِه فلا يُقال بأنَّ خبرَ الاستيقاظِ والنهيَ عنِ البولِ في الماءِ الدائمِ وخبرَ الولوغِ أدلَّةٌ تقوِّي مذهبَ التفريقِ؛ لأنها -بغضِّ النظرِ عن وقوعِها في معارضةِ عمومِ حديثِ أبي سعيدٍ وحديثِ بولِ الأعرابيِّ- فلا تدلُّ على المطلوبِ، وليستْ واردةً لبيانِ حكمِ نجاسةِ الماءِ بل إنَّ علَّتَها لم تُدْرَكْ، فورودُ الأمرِ باجتنابِها ثبت تعبُّدًا لا لأجلِ النجاسةِ، وإن سلَّمنا بالنجاسةِ فغايةُ ما يدلُّ النهيُ في هذه الأحاديثِ عليه الكراهةُ، ولا تخرج عن كونِها مطهِّرةً، تقييدًا بما تقدَّم لأنَّ التعبُّد إنما هو بالظنونِ الواقعةِ على الوجهِ المطابقِ للشرعِ، قال ابنُ رشدٍ: «وأحسنُ طريقةٍ في الجمعِ بين الأحاديثِ، هو أنْ يُحْمَلَ حديثُ أبي هريرةَ وما في معناه على الكراهةِ، وحديثُ أبي سعيدٍ وأنسٍ [أي: حديثُ بئرِ بُضاعةَ] على الجوازِ، لأنَّ هذا التأويلَ يُبقي مفهومَ الأحاديثِ على ظاهرِها»(١٥)، والعملُ بعمومِ حديثِ أبي سعيدٍ -رضي الله عنه- مذهبُ مالكٍ وأحمدَ في إحدى الروايتين عنه وهو مرويٌّ عن جمعٍ من الصحابةِ. فالحاصل: أنَّ الماءَ يبقى طاهرًا ومُطهِّرًا، ولا يُخْرِجه عن الوصفين إلاَّ ما غيَّر ريحَه أو لونَه أو طعمَه من النجاساتِ، وهو أظهرُ الأقوالِ وأرجحُها. والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا. ___________ فتاوى الطّهارة من تطبيق فتاوى العلامة #فركوس على الأندرويد http://goo.gl/7NE8iL | |
|