قَالَ الإِمَامُ أبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
عَلَيْكَ بِآثارِ مَنْ سَلَفَ وإِنْ رَفَضَكَ النَّاسُ، وَإيَّاكَ وآراءَ الرِّجَالِ، وَإِنْ زَخْرَفُوهُ لَكَ بالقَوْلِ .
شرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
شرح الشيخ ابن جبرين حفظه الله
(3) الأَوْزَاعِيُّ: إِمَامُ أهلِ الشَّامِ مِنْ كِبَارِ تابعِي التَّابعينَ ، أَدْرَكَ كَثِيرًا منْ علماءِ التَّابعينَ ، وكانَ قُدْوَةً وَأُسْوَةً في عِلْمِهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ وَرَحِمَهُ ، وكانَ أَيْضًا منْ جَهَابِذَةِ الأُمَّةِ ، ومِنْ عُلَمَائِهَا الَّذينَ حَفِظَ اللهُ بِهِم السُّنَّةَ في تِلْكَ البلادِ .
يَحُثُّنَا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في هذا الأثرِ على أنْ نَتَّبِعَ آثَارَ مَنْ سَبَقَ وإنْ هَجَرَنَا مَنْ هَجَرَنَا.
(وإنْ رَفَضَكَ النَّاسُ) : كأنَّهُ اسْتَشْعَرَ أنَّ هُنَاكَ مَنْ يَهْجُرُ الحَقَّ وَيَهْجُرُ أَهْلَهُ الَّذينَ يَرْوُونَ أحاديثَ السُّنَّةِ وأحاديثَ الصِّفاتِ ، وَيَمْقُتُهُم وَيَرْمِيهِم بأنَّهُم مُشَبِّهَةٌ ، وبأنَّهُم مُمَثِّلَةٌ ، فيقولُ : ( عَلَيْكَ بآثارِ مَنْ سَبَقَ ) : يَعْنِي : الآثارَ الَّتي يَرْوُونَهَا ، والَّتي يَقُولُونَهَا وَيَذْهَبُونَ إليها ، وَيُرِيدُ بِمَنْ سَبَقَ الصَّحابةَ والتَّابعِينَ منْ علماءِ الأُمَّةِ ، عليكَ بِآثَارِهِم : اتَّبِعْ آثَارَهُم ، وَسِرْ على نَهْجِهِم.
(وإنْ رَفَضَكَ النَّاسُ) : ولوْ لَقِيتَ هُجْرَانًا وإهانةً، ما دُمْتَ على الحقِّ، وما دُمْتَ مُتَّبِعًا لِمَنْ هُمْ عَلَى الحقِّ ، فلا تُبَالِ بِمَنْ هَجَرَكَ ، أوْ حَقَّرَكَ، أوْ مَقَتَكَ.
(وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ الرِّجَالِ ، وَإِنْ زَخْرَفُوهَا لَكَ بِالْقَوْلِ ) : يَعْنِي: احْذَر الآراءَ.
(الآراءُ) : هُنَا جَمْعُ : رَأْيٍ.
والقولُ الَّذي لا دَلِيلَ عليهِ يُسَمَّى رَأْيًا ، وَجَمْعُهُ : آرَاءٌ ؛ وهيَ الأقوالُ الَّتي يَقُولُهَا بعضُ النَّاسِ بِمُجَرَّدِ فِكْرِهِ ، وَبِمُجَرَّدِ نَظَرٍ يَرَاهُ لا دَلِيلَ عليهِ ، فهؤلاءِ يَجِبُ أنْ نَحْذَرَهُم وَنَبْتَعِدَ عَنْهُم .
وهذا الأثرُ فيهِ أنَّ الحقَّ أَحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ ، وأنَّ هُنَاكَ مَنْ يُشَجِّعُ على الباطلِ وَيَدْعُو إليهِ وَيُزَخْرِفُهُ، وَيَأْتِي لهُ بعباراتٍ مُشَوِّقَةٍ ، وما أكثرَهُم في زَمَانِنَا ، وَيَأْتُونَ بكلماتٍ وعباراتٍ مُبَهْرَجَةٍ يَمْدَحُونَ بها طُرُقَهُم ، كَطُرُقِ التَّصَوُّفِ مَثَلاً ، أو التَّشَيُّعِ ، أو النَّفْيِ ، أو التَّعطيلِ ، ونحوِ ذلكَ ، وَيَزْعُمُونَ أنَّ هذهِ الطَّريقةُ المُثْلَى ، وأنَّ سُلُوكَهَا هوَ الطَّريقُ الأقومُ ، وأنَّ الَّذينَ عَلَيْهَا هم أهلُ النَّجاةِ ، وأنَّ مَنْ خَالَفَهَا فهوَ منْ أهلِ الهلاكِ أو التَّرَدِّي ، وما أَكْثَرَهُم في كلِّ زمانٍ.
-------------------------------------
شرح الشيخ:صالح الفوزان .حفظه الله (مفرغ)
المتن:
(وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي رضي الله عنه)
الشرح:
الإمام أبو عمرو عبد الرحمن الأوزاعي ,إمام أهل الشام - رحمه الله -.
المتن
عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس)
الشرح:
عليك بآثار من سلف، من الصحابة والتابعين والقرون المفضلة، (عليك) معناها الحث, (بآثار من سلف وإن رفضك الناس) يعني: وإن انتقدك الناسلاتباعك للسلف، وإن انتقدوك وجفوك فلا تلتفت إليهم ولا تعبأ بذمهم لأنك على حق ,وما دمت على حق فاثبت، فأنت لا تريد إرضاء الناس ومدح الناس، وإنما تريد إرضاء الله سبحانه وتعالى وتريد الحق، والحق لا شك أنه في اتباع السلف، فإذا رأيت من يصفك بالجمود ,ويصفك بالتخلف والرجعية، وبأنك من أهل العصور الوسطى ,وبكلام من هذا القبيل ,فلا تلتفت إليه أبداً؛ لأنك على الحق ,وهم على الباطل.
المتن:
(وإياك وآراء الرجال , وإن زخرفوه لك بالقول)
الشرح:
هذا كلام عمر رحمه الله ,(إياك وآراء الرجال)، هذا تحذير من أن تترك هدي السلف وتأخذ بآراء الرجال التي أحدثت من بعدهم.
(وإن زخرفوه): الزخرفة التزيين ,أصل الزخرف الذهب: { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وزخرفاً } يعني: ذهب ,الزخرف في الأصل هو الذهب، فهم يزخرفون مقالاتهم ويزوقونها ,حتى تظهر كأنها حق ,كما قال الله سبحانه في أمثالهم: { وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون } ,يأتيك كلامهم مزخرفاً، على أنه براهين عقلية وأدلة يقينية، وقد يكون عندهم فصاحة وبلاغة يجذبون بها السامع ,لكن ما داموا ليسوا على هدي السلف لا تلتفت إليهم ,ولا تعبأ بكلامهم؛ لأنه زخرف ,والشاعر يقول:
في زخرف القـول تزيــين لبـاطله *****والحـق قد يعتــريه سـوء تعبــير
فزخرف القول يزين الباطل عند الناس، لكن البصير لا ينظر إلى المظاهر، وإنما ينظر إلى الحقائق، فما دام أن هذا الكلام لم يقله السلف الصالح في هذا الباب -في باب الأسماء والصفات -فاعلم أنه باطل ,وإن تزين بالألفاظ وحسن اللفظ ,فلا تعبأ بهما دام أنه مخالف لهدي السلف الصالح.
وهذا ينطبق على علم الكلام وعلم المنطق الذي زوقوه وزخرفوه ,وسموه براهين عقلية ,وقواعد يقينية... إلى آخر ما يقولون، فلا تلتفت إليهم، كيف تعادل قواعد المنطق وعلم الكلام بكلام رب العالمين وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم وكلام السلف الصالح؟!