ﻓﻲ ﺿﻮﺍﺑﻂ ﺍﻻﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﻋﺔ
ﺍﻟﺤﻤﺪُ ﻟﻠﻪ ﺭﺏِّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﻭﺍﻟﺼﻼﺓُ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡُ ﻋﻠﻰ ﻣَﻦْ ﺃﺭﺳﻠﻪ ﺍﻟﻠﻪُ ﺭﺣﻤﺔً ﻟﻠﻌﺎﻟﻤﻴﻦ،
ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺻَﺤْﺒِﻪِ ﻭﺇﺧﻮﺍﻧِﻪ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺪِّﻳﻦ، ﺃﻣَّﺎ ﺑﻌﺪ:
ﻓﻼ ﻳﺘﻮﻗَّﻒ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﻠﻘﻲ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺪﻉ ﻭﺍﻻﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﻛﺘﺒﻬﻢ
ﻭﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻕ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﻉ ﺃﻭ ﻋﺪﻣﻪ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻳﻨﻈﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ
ﻳﻠﻘﻴﻪ ﺃﻭ ﻳﺴﻄِّﺮﻩ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ، ﻭﻣﺪﻯ ﺗﺄﺛﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﻪ ﻭﺑﺒﺪﻋﺘﻪ، ﻭﻣﻦ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ
ﻳُﻔﺮَّﻕ ﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺁﻟﺔ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖِّ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﺑﻴﻦ ﻓﺎﻗﺪ ﺃﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ .
ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻀﻤَّﻨﻪ ﻣﺆﻟَّﻔﻬﻢ ﻳﺤﺘﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻓﺴﺎﺩٍ ﻣﺤﺾٍ ﻣﻦ ﺯﻳﻎٍ
ﻭﺿﻼﻝٍ ﻭﺧﺮﺍﻓﺔٍ ﻓﻲ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﻭﺗﺤﻜﻴﻢٍ ﻟﻠﻬﻮﻯ ﻭﻋﺪﻭﻝٍ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ
ﻭﺍﻧﺤﺮﺍﻑ ﻋﻦ ﺍﻷﺻﻮﻝ ﺍﻟﻤﻌﺘﻤﺪﺓ، ﻛﻜﺘﺐ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﺍﻟﺘﻨﺠﻴﻢ ﺳﻮﺍﺀ ﺻﺪﺭ ﻣﻦ
ﺭﺍﻓﻀﻲ ﺃﻭ ﺧﺎﺭﺟﻲ ﺃﻭ ﻣﺮﺟﺊٍ ﺃﻭ ﻗﺪﺭﻱٍّ ﺃﻭ ﻗُﺒﻮﺭﻱٍّ، ﻓﺈﻥَّ ﻧﺼﻮﺹ ﺍﻷﺋﻤﺔ ﻓﻲ ﻛُﺘُﺐ
ﺍﻟﺴِّﻴَﺮ ﻭﺍﻻﻋﺘﺼﺎﻡ ﺑﺎﻟﺴُّﻨﺔ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﻤﻨﺎﺑﺬﺓ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﻋﺔ ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ
ﻣﺆﻟﻔﺎﺗﻬﻢ ﻭﻛﺘﺒﻬﻢ ﺧﺸﻴﺔ ﺍﻻﻓﺘﺘﺎﻥ ﺑﺂﺭﺍﺋﻬﻢ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻠﺴُّﻨﺔ ﻭﺍﻟﺘﺄﺛﺮ ﺑﻔﺴﺎﺩ ﺃﻓﻜﺎﺭﻫﻢ
ﻭﺍﻻﻧﺰﻻﻕ ﻓﻲ ﺑﺪﻋﺘﻬﻢ ﻭﺿﻼﻟﻬﻢ، ﻭﻗﺪ ﺣﺬّﺭﻭﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺃﻫﻞ ﺍﻷﻫﻮﺍﺀ،
ﻭﺣﺜُّﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺇﺑﻌﺎﺩﻫﺎ ﻭﺇﺗﻼﻓﻬﺎ ﺗﻌﺰﻳﺮًﺍ ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺒﺪﻉ، ﻭﺗﻔﺎﺩﻳًﺎ ﻟﻤﻔﺴﺪﺓ ﺍﻟﺘﺄﺛﺮ ﺑﻬﺎ . ﻭﻳﺪﻝُّ
ﻋﻠﻴﻪ ﻗﺼﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺣﻴﻦ ﺃﺗﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ
ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻜﺘﺎﺏ ﺃﺻﺎﺑﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ، ﻓﻐﻀﺐ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ
ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻗﺎﻝ »:ﺃَﻣُﺘَﻬَﻮِّﻛُﻮﻥَ ﻓِﻴﻬَﺎ ﻳَﺎ ﺍﺑْﻦَ ﺍﻟﺨَﻄَّﺎﺏِ؟! ﻭَﺍﻟَّﺬِﻱ ﻧَﻔْﺴِﻲ ﺑِﻴَﺪِﻩِ ﻟَﻘَﺪْ ﺟِﺌْﺘُﻜُﻢْ ﺑِﻬَﺎ
ﺑَﻴْﻀَﺎﺀَ ﻧَﻘِﻴَّﺔً، ﻻَ ﺗَﺴْﺄَﻟُﻮﻫُﻢْ ﻋَﻦْ ﺷَﻲْﺀٍ ﻓَﻴُﺨْﺒِﺮُﻭﻛُﻢْ ﺑِﺤَﻖٍ ﻓَﺘُﻜَﺬِّﺑُﻮﺍ ﺑِﻪِ، ﺃَﻭْ ﺑِﺒَﺎﻃِﻞٍ ﻓَﺘُﺼَﺪِّﻗُﻮﺍ
ﺑِﻪِ، ﻭَﺍﻟَّﺬِﻱ ﻧَﻔْﺴِﻲ ﺑِﻴَﺪِﻩِ ﻟَﻮْ ﺃَﻥَّ ﻣُﻮﺳَﻰ ﻛَﺎﻥَ ﺣَﻴًّﺎ ﻣَﺎ ﻭَﺳِﻌَﻪُ ﺇِﻻَّ ﺃَﻥْ ﻳَﺘَّﺒَﻌَﻨِﻲ «)١( .
ﻭﺿﻤﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ‑ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ :- » ﻭﻛﻞُّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻤﺘﻀﻤِّﻨﺔ
ﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﺍﻟﺴُّﻨَّﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺄﺫﻭﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻞ ﻣﺄﺫﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﺤﻘﻬﺎ ﻭﺇﺗﻼﻓﻬﺎ ﻭﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻣﺔ ﺃﺿﺮ
ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻗﺪ ﺣﺮﻕ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺟﻤﻴﻊَ ﺍﻟﻤﺼﺎﺣﻒ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻟﻤﺼﺤﻒ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﻟَﻤَّﺎ ﺧﺎﻓﻮﺍ ﻋﻠﻰ
ﺍﻷُﻣَّﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ، ﻓﻜﻴﻒ ﻟﻮ ﺭﺃﻭﺍ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻭﻗﻌﺖ ﺍﻟﺨﻼﻑ ﻭﺍﻟﺘﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ
ﺍﻷﻣﺔ «)٢( ، ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ ﺍﻷﺻﺒﻬﺎﻧﻲ: » ﺛﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ: ﺗﺮﻙ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﻭﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﻓﻲ
ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﺗﺮﻙ ﺍﻟﺠﺪﺍﻝ ﻭﺍﻟﺨﺼﻮﻣﺎﺕ، ﻭﺗﺮﻙ ﻣﻔﺎﺗﺤﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭﻳﺔ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﺗﺮﻙ
ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﻛﺘﺐ ﺍﻟﻨﺠﻮﻡ، ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺟﺘﻤﻌﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻷﻣﺔ«)٣ (.
ﺃﻣَّﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﻛﺘﺒﻬﻢ ﻭﻣﺼﻨَّﻔﺎﺗﻬﻢ ﻣﻤﺘﺰﺟًﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖِّ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ
ﺍﻷﺻﻮﻝ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻃﺎﻟﺐ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﺎﻗﺪًﺍ ﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻻ ﻳﻘﺘﺪﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ
ﺍﻟﻤﻤﺰﻭﺝ ﻭﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺤﻖِّ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻓﺤﻜﻤﻪ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻨﻈﺮ -ﺃﻳﻀًﺎ - ﻓﻲ ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻤﺼﻨﻔﺎﺕ ﻭﺍﻟﻜﺘﺐ ﺧﺸﻴﺔ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻲ ﺗﻠﺒﻴﺴﺎﺗﻬﻢ ﻭﺗﻀﻠﻴﻼﺗﻬﻢ.
ﻭﺃﻣَّﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻃﺎﻟﺐ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺘﺸﺒﻌًﺎ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻭﻳﻤﻠﻚ ﺁﻟﺔ
ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻖِّ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻞ، ﻭﺍﻟﻬﺪﻯ ﻭﺍﻟﻀﻼﻝ، ﻭﺍﺣﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻃﻼﻉ ﻋﻠﻴﻬﺎ: ﺇﻣَّﺎ
ﻟﺪﺭﺍﺳﺘﻬﺎ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﺻﻮﺍﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻄﺌﻬﺎ، ﻭﺇﻣَّﺎ ﻟﻠﺮﺩِّ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﺘﻀﻤَّﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻧﺤﺮﺍﻑٍ ﻭﺯﻳﻎٍ
ﻭﺧﺮﺍﻓﺔٍ، ﻓﻠﻪ ﺃﻥ ﻳُﻘﺒِﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻳَﻘْﺒَﻞ ﺍﻟﺤﻖَّ ﻣﻦ ﺃﻱِّ ﺟﻬﺔٍ ﻛﺎﻥ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﺪﻝ
ﺳﻠﻔﻨﺎ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﻗَﺒﻮﻝ ﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻄﻮﺍﺋﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖِّ ﻭﻻ ﻳﺘﻮﻗَّﻔﻮﻥ ﻋﻦ ﻗﺒﻮﻟﻪ،
ﻭﻳﺮﺩﻭﻥ ﻣﺎ ﻋﻨﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻄﻮﺍﺋﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ، ﻓﺎﻟﻤﻮﺍﻟﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻱ ﺳﻮﺍﺀ، ﺇﺫ ﻻ ﺃﺛﺮ
ﻟﻠﻤﺘﻜﻠِّﻢ ﺑﺎﻟﺤﻖِّ ﻓﻲ ﻗﺒﻮﻟﻪ ﺃﻭ ﺭﻓﻀﻪ، ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ -ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ :-
»ﻓﻤﻦ ﻫﺪﺍﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺧﺬ ﺑﺎﻟﺤﻖِّ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﻭﻣﻊ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻊ ﻣﻦ
ﻳﺒﻐﻀﻪ ﻭﻳﻌﺎﺩﻳﻪ، ﻭﺭﺩ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻳﺤﺒﻪ ﻭﻳﻮﺍﻟﻴﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﻤَّﻦ
ﻫُﺪِﻱ ﻟﻤﺎ ﺍﺧﺘﻠﻒ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ«)٤( .
ﻭﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻼ ﻳﺠﻮﺯ ﺍﻹﺣﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﻋﺔ ﻭﻣﺼﻨﻔﺎﺗﻬﻢ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺿﺮﺭﻫﺎ ﻳﻤﺎﺛﻞ
ﻧﻔﻌﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻨﻪ، ﺑﻞ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﺘﺤﺬﻳﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻫﺠﺮﻫﺎ، ﺃﻣَّﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻧﻔﻌﻬﺎ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ
ﺿﺮﺭﻫﺎ ﻓﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﺤﻴﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺤﻮﺙ ﻭﺍﻟﻤﻘﺎﻻﺕ ﻣﻊ ﺑﻴﺎﻥ ﻣﺎ ﺣﻮﺗﻪ ﻣﻦ ﺷﺮٍّ ﺃﻭ
ﻓﺴﺎﺩٍ ﺇﻥ ﺃﻣﻜﻦ، ﺃﻭ ﺗﻨﺒﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺿﺮﺭﻫﺎ ﻭﻟﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﻗﺼﺪ ﺍﻻﺣﺘﺮﺍﺯ ﻣﻨﻬﺎ
ﻋﻠﻰ ﺣﺪِّ ﻗﻮﻟﻬﻢ: » ﺍﺟﻦ ﺍﻟﺜﻤﺎﺭ ﻭﺃﻟﻖ ﺍﻟﺨﺸﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺭ « ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻦ ﺗﺤﺼﻴﻞ
ﺍﻟﻨﻔﻊ ﺑﻤﻦ ﻓﻴﻪ ﺑﺪﻋﺔ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ :- » ﻓﺈﺫﺍ ﺗﻌﺬﺭ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ﻣﻦ
ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﺑﻤﻦ ﻓﻴﻪ ﺑﺪﻋﺔ ﻣﻀﺮﺗﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﻣﻀﺮﺓ ﺗﺮﻙ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ،
ﻛﺎﻥ ﺗﺤﺼﻴﻞ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﻣﻊ ﻣﻔﺴﺪﺓ ﻣﺮﺟﻮﺣﺔ ﻣﻌﻪ ﺧﻴﺮًﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻜﺲ، ﻭﻟﻬﺬﺍ
ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻓﻴﻪ ﺗﻔﺼﻴﻞ «)٥( .
ﻫﺬﺍ، ﻭﻻ ﻳﻘﺎﻝ ﻓﻲ ﺣﻖِّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺼﻨﻔﺎﺕ: » ﺧﺬ ﺍﻟﺤﻖَّ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺍﺗﺮﻙ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ« ﻣﻄﻠﻘًﺎ ﺇﻻَّ
ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣﺤﺼﻨًﺎ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ ﺍﻟﻨﺎﻓﻊ، ﻗﺎﺩﺭًﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎﺻﺮﺓ ﻛﺘﺐ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺒﺪﻉ
ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻴﻦ ﻟﻤﻨﻬﺞ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖِّ، ﻭﺗﻄﻮﻳﻖ ﺁﺭﺍﺋﻬﻢ ﻭﺷﺒﻬﺎﺗﻬﻢ، ﺣﻔﻈًﺎ ﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻣﻦ
ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﺍﻟﻌﻘﺪﻱ، ﻭﺣﻤﺎﻳﺔ ﻟﻘﻠﻮﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﻪ ﻭﺍﻟﺘﻠﺒﻴﺲ، ﻭﺻﻴﺎﻧﺔ ﻟﻌﻘﻮﻟﻬﻢ ﻣﻨﻬﺎ، ﻋﻠﻤًﺎ
ﺃﻥَّ ﻣﺸﺮﻭﻋﻴﺔ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﻤﺨﺎﻟﻔﻴﻦ ﻟﻤﻨﻬﺞ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﻖ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻨﺪﺭﺝ ﺗﺤﺖ
ﻗﺎﻋﺪﺓ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ ﻣﻦ ﺃﻫﻢ ﺃﺳﺲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ
ﻭﻗﻮﺍﻋﺪﻩ .
ﻭﺍﻟﻌﻠﻢُ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪِ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﺁﺧﺮُ ﺩﻋﻮﺍﻧﺎ ﺃﻥِ ﺍﻟﺤﻤﺪُ ﻟﻠﻪِ ﺭﺏِّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ، ﻭﺻَﻠَّﻰ ﺍﻟﻠﻪُ ﻋﻠﻰ
ﻧﺒﻴِّﻨﺎ ﻣﺤﻤَّﺪٍ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺻﺤﺒﻪ ﻭﺇﺧﻮﺍﻧِﻪ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺪِّﻳﻦ، ﻭﺳَﻠَّﻢ ﺗﺴﻠﻴﻤًﺎ.
ﺍﻟﺠﺰﺍﺋﺮ ﻓﻲ: 29 ﺭﺑﻴﻊ ﺍﻷﻭﻝ 1430ﻫ
ﺍﻟﻤـﻮﺍﻓﻖ ﻟ: 26 ﻣـﺎﺭﺱ 2009 ﻡ
١ - ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ ﻓﻲ »ﻣﺴﻨﺪﻩ :« ) 3/378 ، 387( ، ﻭﺍﻟﺪﺍﺭﻣﻲ: ) 1/115( ، ﻣﻦ
ﺣﺪﻳﺚ ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ، ﻭﻓﻲ ﺳﻨﺪﻩ ﻣﺠﺎﻟﺪ ﻭﻫﻮ ﺿﻌﻴﻒ، ﻭﻟﻪ
ﺷﺎﻫﺪ ﺑﻨﺤﻮﻩ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺷﺪﺍﺩ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻋﻨﺪ ﺃﺣﻤﺪ: ) 3/470 ،
471 ( ، ﻭﻓﻲ ﺳﻨﺪﻩ ﺟﺎﺑﺮ ﺍﻟﺠﻌﻔﻲ، ﻭﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺣﺴّﻨﻪ ﺍﻷﻟﺒﺎﻧﻲ ﻓﻲ »ﺿﻼﻝ ﺍﻟﺠﻨﺔ :«
) 1/27( ، ﻭﻗﺎﻝ: » ﺇﺳﻨﺎﺩﻩ ﺛﻘﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺠﺎﻟﺪ، ﻭﻫﻮ ﺍﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﻓﺈﻧﻪ ﺿﻌﻴﻒ، ﻟﻜﻦ
ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ، ﻟﻪ ﻃﺮﻕ ﺃﺷﺮﺕ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ " ﺍﻟﻤﺸﻜﺎﺓ " )177( ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻲ
"ﺍﻹﺭﻭﺍﺀ .«"
٢ - » ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺤﻜﻤﻴﺔ « ﻻﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ: )233 ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪﻫﺎ (.
٣ - »ﺍﻟﺤﺠﺔ ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺤﺠﺔ« ﻟﻸﺻﺒﻬﺎﻧﻲ: ) 1/252( .
٤ - » ﺍﻟﺼﻮﺍﻋﻖ ﺍﻟﻤﺮﺳﻠﺔ« ﻻﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ: ) 2/516( .
٥ - » ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺍﻟﻔﺘﺎﻭﻯ « ﻻﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ: ) 28/212( .
ﻣﻦ ﻣﻮﻗﻊ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻓﺮﻛﻮﺱ ﺣﻔﻈﻪ الله